قراءة في قانون المحاماة والاستشارات القانونية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 41/2024

قراءة في قانون المحاماة والاستشارات القانونية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 41/2024

قراءة في قانون المحاماة والاستشارات القانونية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 41/2024

Mr. Maadh Al Ghailani
T. +968 2449 481
E. maadh.alghailani@kco.om

يحمل قانون المحاماة والاستشارات القانونية وبعد طول انتظار الكثير من تطلعات وآمال العاملين في مجال الخدمات القانونية، حيث سبق هذا القانون تسارع كبير في حجم ونوعية المعاملات والخدمات القانونية ولذلك كان لا بد من مواكبة هذا التسارع بمنظومة من التشريعات العدلية وخصوصا منظمة التشريعات الخاصة بأعمال المحاماة والاستشارات القانونية والخدمات الأخرى وذلك بما يتوافق مع الإتفاقيات الدولية وواقع التعامل في السلطنة.

استهدف المشرع في هذا التنظيم التوازن والاستقرار في رؤيته للخدمات القانونية في السلطنة ولذلك أعاد ترتيب الخدمات وقسم المهن وفرق بين التنظيمات حتى يسهل مواكبة هذا التطور السريع في المعاملات دون أن يخل بالمنظومة التشريعية مستقبلا .

استعرض في هذا المقال بعض المواضيع التي تناولها المشرع وقد وفِّق المشرع في الكثير منها إلا أن هناك بعض التساؤلات التي أحاول التطرق لها في هذه القراءة السريعة والتي اهدف من خلال هذا الطرح أن يتناولها المشرع في اللوائح التنفيذية التي سوف تصدر بناء عليه لتتماشى مع صحيح الواقع العملي والقواعد القانونية العامة.

أستهل هذه المواضيع في مسألة الشركات والمكاتب الدولية حيث فصَل القانون في مسألة المكاتب الدولية وتقديم خدمات الاستشارات القانونية دون أعمال المحاماة في السلطنة وحسنًا فعل حيث ينصب ذلك في المهنة والخدمات القانونية بشكل مباشر وغير مباشر حيث تعد هذه المكاتب والشركات مصدر مهم من مصادر التعليم المهنية والعملية للكوادر العمانية ومن المؤكد أنها ستؤثر بشكل إيجابي على المدى المتوسط والبعيد.

ثم عالج المشرع بعض التحديات العملية والتي تواجه أعمال المحاماة في أروقة المحاكم منها الإنابة والتمثيل أمام الهيئات القضائية دون الحاجة للتصديق أمام الكاتب بالعدل حيث يكتفى بالإنابة الكتابية من المحامي لزميله دون الحاجة لتصديق تلك الإنابة كما هو في السابق وذلك لطبيعة التسارع وكثرة المحاكم واتساع الرقعة الجغرافية التي تقدم فيها الخدمات العدلية والقضائية في السلطنة وهذا التعديل ذا قيمة حيث يعد تعزيز لقيمة المحامي وثقة المشرع به وقد وافق هذا التعديل وجود ذات الفهم في الكثير من الدول عند المقارنة بالتشريعات القانونية في دول المنطقة.

كذلك تبدو رؤية المشرع واضحة في حوكمة مكاتب المحاماة وإجراءات قيد وتأسيس المكاتب والشركات من حيث المدد وآلية المعادلة والأعمال النظيرة والمدد وآليات الإنتقال من جدول إلى أخر وقيد بعض الإجراءات بمدد زمنية بالزيادة في بعضها وبالنقصان في بعضا الأخر .

أما التعديلات التي من المتوقع أن تثير بعض التساؤلات في المستقبل والتي من المهم توضيح آليات العمل بها هي اقتصار أعمال المحاماة والاستشارات القانونية على حملة الشهادات التخصصية في القانون أو الحقوق وما يوازيها بشكل مباشر ، أما حملة الشهادات الشرعية يشترط لممارسة المهنة أن يسبقها العمل في وظائف قضائية و وظائف الادعاء العام لمدة لا تقل عن عشر سنوات وليس كما هو معمول به في السابق وقد يشكل هذا الأمر عبئ إضافي على الوظائف والتخصاصات القانونية في الجهات الحكومية حيث كانت مهنة المحاماة المستقطب الأول لحملة الشهادات الشرعية والقانونية خصوصا وأن عدد كبير من المواد المشتركة في التخصصين متطلب دراسي لطالب القانون والشريعة كما أن الشريعة مصدر من مصادر التشريع ولا يضير المحاماة أن يمارسها دارسي الشريعة مع إضافت بعض المتطلبات القانونية من حيث المواد وساعات التدريب في أعمال المحاماة.

ومن التعديلات التي حقق فيها المشرع الكثير من المكاسب للأفراد والشركات رفع الحد الأدنى للترافع أمام القضاء وقيد الدعاوي وذلك نتيجة تضخم السوق وكذلك تغير قوة النقد وتيسيرا على الأفراد من خلال المطالبات المباشرة منهم شخصيا كونهم الأصيل في هذه المطالبات وحسنا فعل المشرع عند رفع الحد الأدنى للأفراد والشركات .

أما التساؤل الذي آثار الجدل وما زال يثير في أوساط المحامين والمستشارين القانونيين هو أحقية مكتب أو شركة المحاماة العمانية ضم مستشارين قانونيين من الجنسيات الأخرى غير العمانية؟

ابتداء ولتدعيم وجهة النظر أشير إلى أن نص المادة (11) من القانون أشار إلى أن إبداء الرأي والمشورة القانونية لمن يطلبها من أعمال المحاماة  واشترطت المادة (22) من قانون المحاماة للقيد في جدول المحاماة أن يكون عماني الجنسية ثم جاء النص في المادة (52) لا يجوز للمحامي أن يلحق بمكتبه للقيام بأي عمل من أعمال المحاماة إلا من كان مقيدا في أحد جداول المحامين.

جميع هذه النصوص لم تجب هل التساؤل المهم ،كما صمتت النصوص في استعراض هذا الجزء المهم من الواقع المتعامل به في القانون لاحقا ولذلك احاول استنطاق النص والقواعد القانونية من خلال ثوابت العمل والقواعد القانونية وعدم وجود نص قانوني مانع من استقطاب مكتب المحاماة الخبرات والمستشارين غير العمانيين في مكاتبهم بعد قيدهم في جدول المستشارين القانونين ؟

من وجهة نظري أن كل محام ( عماني ) مستشار قانوني بطبيعة الحال ويحق له مستقبلا أن يمارس أعمال المحاماة و يمارس أعمال الإستشارات القانونية معاً ويجوز له في سبيل ممارسة ذلك قيد المحامين العمانين والمستشارين العمانيين وغير العمانيين كل حسب جدول القيد استنادا إلى تناسق النص القانوني وفهم طبيعة المهنة والممارسة الفعلية وانطلاقا من أن الاستشارات القانونية جزء مهم ولا يتجزاء من أعمال المحاماة وبالتالي فإن كل مكتب محاماة هو مكتب استشارات قانونية وليس كل مكتب استشارات قانونية هو مكتب محاماة بموجب التقسيمات الجديدة.

يؤكد هذا الفهم أن نص المادة (63) من القانون مزاولة مهنة الاستشارات القانونية محالة للائحة ثم تطرقت المادة(64) عن أحقية العماني في تأسيس مكتب الاستشارات القانونية استكمالا لنصوص مواد تنظيم مهنة المحاماة حيث مكن القانون العماني من إختيار المهنة التي يود ممارستها من خلال هذه النصوص وجميع الأحكام المتعلقة بمكاتب المحاماة فيما لم يرد به نص ثم جعل تنظيم ذلك للائحة ولم يجب إطلاقا عن منع المحامي العماني من قيد المستشارين في مكتبه بل اشترط لقيد المحامين أو المستشارين وممارسة مهنتهم في السلطنة بشكل رسمي قيدهم في الجداول المعدة لذلك وهو ما يعزز وجهة نظري حيث الأصل في التصرفات الإباحة ولم تمنع النصوص إطلاقا إمكانية ضم المستشارين من غير الجنسيات العمانية في مكاتب المحاماة العمانية خصوصا وأن المحامي مستشار قانوني بقوة القانون كما أوضح النص.

إن واقع الحال الممارس _ولا أضيف جديدا_ بالرجوع للإحصائيات المنشورة في وزارة العدل والشؤون القانونية أن عدد كبير من المكاتب والشركات العمانية التي تمارس حاليا هذه المهنة بها عدد كبير من المستشارين القانونيين المتخصصين من جنسيات أخرى غير العمانية دون شراكة في حصص المكتب أو الشركة ومن غير المبرر أن تكون هناك تفسيرات بعدم إمكانية ضم هذه الخبرات وهذه العمالة في مكاتب المحاماة العمانية وانهاء خدماتهم ، ذلك أن معظم الشركات والمكاتب العمانية ستضطر إلى اغلاق أو انهاء أو تعديل أو فصل مكاتب وشراكات قانونية قائمة ومستقرة لإنشاء شركات ومكاتب جديدة بعضها للمحاماة وبعضها للاستشارات القانونية بتكلفة إضافية جديدة وبطريقة عمل جديدة وبشكل قانوني جديد قد لا تستقيم مع رؤية المكتب أو الشركاء وكل ذلك بمبررات غير منطقية _من وجهة نظري_ بحرمان المحامي العماني من مواكبة مكاتب المحاماة الإقليمية والدولية في تقديم خدمات قانونية تخصصية وخبرات فنية نوعية ومحترفة داخل السلطنة وخارجها لأن النص اشترط على المستشارين أن يمارسوا أعمالهم في مكتب استشارات قانونية كما هو الزعم.

إن هذا التفسير للنص قد يشكل فرصة كبيرة لمكاتب وشركات المحاماة العالمية والإقليمية وخصوصا الشرق الأوسط في الإستفادة من هذا التفسير حيث لا يسمح لمكاتب المحاماة باستقطاب هذه الفئة من الخبرات القانونية والمستشارين ولا يمكن قيدهم في السلطنة إلا من خلال مكاتب الاستشارات العالمية والعمانية حسب التنظيم وهو تطبيق لا يتوافق مع المنطق القانوني والجانب العملي والواقع الحالي حيث سيضر ذلك بمكاتب المحاماة العمانية التي تطمح للتوسع خارج السلطنة لمنافسة الشركات والمكاتب الإقليمية والدولية في الخدمات القانونية المحترفة .

من وجهة نظري أن الفراغ في هذه النصوص وتفسيرها بضرورة تعديل الأوضاع وفق ما نص عليه القانون بشكل مستقل سوف يكون مرهقا جدا على الجميع حيث ستتضرر بهذه الكيفية مكاتب وشركات عديدة قائمة بسبب أن القانون لم يشر إلى ما هو واقع وثابت وعليه من غير المرجح أن يساهم المشرع في زعزعة مهنة مستقرة وإيجاد تحديات غير منطقية بموجب هذا التفسير كما هو متداول.

أضيف أيضا بإيماني الكلي بأن القانون منطقا واستنتاجا لا يمكن أن يضر مكاتب المحاماة العمانية القائمة والمستقرة سنوات عديدة بتفسير لم يواكب رؤية المشرع في تطوير المهنة ولا يساهم في تمكين مكاتب المحاماة العمانية من منافسة المكاتب الدولية والإقليمية بل أرجح وأجزم أن القانون جاء ليهيئ أرضية صلبة للإنطلاق بالخدمات القانونية والتنظيمات والتكتلات القانونية إلى أعلى مستويات الإحتراف في تقديم هذه النوعية من الخدمات داخل السلطنة وخارجها من المحامي والمكاتب العمانية.

أخيرا أرى أن المشرع قصد في تفصيلاته الجديدة في شأن فصل تنظيم مهنة المحاماة عن مهنة الاستشارات القانونية فرض رقابة أكبر  على النصوص والممارسات من خلال هذه التقسيمات وكذلك القدرة على تعديل النصوص في كل جانب بشكل مستقل دون التأثير على النصوص الأخرى ويعد ذلك تطور في النصوص التشريعية.

أتتطلع أن تراعي اللوائح التنفيذية لهذا القانون الأوضاع القائمة وأن تكون خير معين على فهم النص وتطبيقه التطبيق السليم بما يتوافق مع صحيح القانون والغاية التي أرادها المشرع له.

معاذ بن سعيد بن محمد الغيلاني – محام ومستشار قانوني

26/1/2025



By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close